يعد التعليم الذاتي واحد من الانماط التي بدات في الانتشار حول العالم مدفوعة بحاجة الفرد الى التعلم, فهو من أهم أساليب التعلم التي تتيح توظيف مهارات التعلم بفاعلية عالية مما يسهم في تطوير الإنسان سلوكياً ومعرفياً ووجدانياً، وتزويده بسلاح هام يمكنه من استيعاب معطيات العصر القادم، وهو نمط من أنماط التعلم الذي نعلم فيه التلميذ كيف يتعلم ما يريد هو بنفسه أن يتعلمه .
إن امتلاك وإتقان مهارات التعلم الذاتي تمكن الفرد من التعلم في كل الأوقات وطوال العمر خارج المدرسة وداخلها وهو ما يعرف بالتربية المستمرة. تؤكد الاتجاهات التربوية المعاصرة على أهمية التعلم الذاتي الذي ينقل محور اهتمام العملية التعليمية من المادة الدراسية إلى التلميذ نفسه ويسلط عليه الأضواء ليكشف عن ميوله واستعداداته وقدراته ومهاراته الذاتية بهدف التخطيط لتنميتها وتوجيهها وفقا لوصفة تربوية خاصة بكل تلميذ على حدة لتقابل ميوله الخاصة وتتمشى مع حاجاته الذاتية واستعدادات نموه ولتحفز دوافعه ورغباته الشخصية ليتمكن بذلك من الوصول إلى أقصى طاقاته وإمكاناته الخاصة به. وقد بدأ التعلم الذاتي في أوروبا وذلك على يد الطبيبة الإيطالية” ماريا مونتيسوري” التي طورت في أوائل القرن الـ20 الميلادي أسلوبا جديدا في التعليم يشجع الطفل على التعلم بنفسه ويكون فيه الطفل هو المعلم والمتعلم في آن واحد، وقد أعدت مونتيسوري غرفة تربوية للتعلم الذاتي تم تجهيزها بكل ما يحتاج إليه التلاميذ لتطوير مهاراتهم العملية واللغوية والرقمية والحسية. وفي محاولة من جانب أخصائية تدريب المعلمين على التعليم بطريقة ”مونتيسوري” والمعلمة لورنا ماهوني لتطوير الطريقة افتتحت” ماهوني” مدرسة على طريقة مونتيسوري في بيتها الواقع في الشمال الشرقي من لندن، وفي هذه المدرسة ليس هناك بداية رسمية للدرس كما أنه ليس هناك لوح اسود في غرفة الصف ولا يحدد المعلم للتلاميذ المادة التي سيدرسونها على مدى اليوم. أي أن زمام المبادرة يكون في يد التلميذ، وتعلق” لورنا” على ذلك بقولها إن أسلوب” مونتيسوري” ظهر في مطلع القرن الـ20، وقد أعجب به أفراد الطبقة الأرستقراطية في بريطانيا واقترحوا العمل به، ولكن نشبت الحرب العالمية الثانية وعطلت تطور المسيرة التعليمية باستخدام ذلك الأسلوب. وقد وصل التعليم الذاتي الى المنطقة العربية وبات يشكل الغاية الأساسية التي تصبو إليها العملية التعليمية التعلمية, ومن المفيد هنا تقديم تعريف للتعلم الذاتي وهذا التعريف قدمه الأخصائي في مجال التعليم الذاتي الدكتور صلاح عبد السميع وقال فيه إن التعلم الذاتي هو "هو النشاط التعلمي الذي يقوم به المتعلم مدفوعاً برغبته الذاتية بهدف تنمية استعداداته وإمكاناته وقدراته مستجيباً لميوله واهتماماته بما يحقق تنمية شخصيته وتكاملها، والتفاعل الناجح مع مجتمعه عن طريق الاعتماد على نفسه والثقة بقدراته في عملية التعليم والتعلم وفيه نعلم المتعلم كيف يتعلم ومن أين يحصل على مصادر التعلم". ويكتسي التعلم الذاتي أهمية بالغة يمكن رصد ملامحها من خلال العناصر التالية : * إن التعلم الذاتي كان وما يزال يلقى اهتماما كبيراً من علماء النفس والتربية ، باعتباره أسلوب التعلم الأفضل ، لأنه يحقق لكل متعلم تعلما يتناسب مع قدراته وسرعته الذاتية في التعلم ويعتمد على دافعيته للتعلم . * يأخذ المتعلم دورا إيجابيا ونشيطاً في التعلم .
* يمّكن التعلم الذاتي المتعلم من إتقان المهارات الأساسية اللازمة لمواصلة تعليم نفسه بنفسه ويستمر معه مدى الحياة.. * تدريب التلاميذ على حل المشكلات ، وإيجاد بيئة خصبة للإبداع .
* إن العالم يشهد انفجارا معرفيا متطورا باستمرار لا تستوعبه نظم التعلم وطرائقها مما يحتم وجود استراتيجية تمكن المتعلم من إتقان مهارات التعلم الذاتي ليستمر التعلم معه خارج المدرسة وحتى مدى الحياة. ويمكن تحديد أهداف التعلم الذاتي في كونه : * يكسب الفرد مهارات وعادات التعلم المستمر لمواصلة تعلمه الذاتي بنفسه. * يجعل الفرد يتحمل مسؤولية تعليم نفسه بنفسه.
* يساهم في عملية التجديد الذاتي للمجتمع. * يمكن من بناء مجتمع دائم التعلم.
* يسهم في تحقيق التربية المسمرة مدى الحياة.
وبعد أن تطرقنا لمفهوم التعلم الذاتي وأهميته وأهدافه يبدو من اللازم طرح التساؤل التالي كيف نتعلم ذاتيا..$.. فالفرد يمكن أن يتعلم ذاتيا من خلال تحديد مجال معين للتعلم يرغب فيه إلى جانب مستوى معين يريد الوصول إليه وعليه فانه يمكن القول أن المتعلم ذاتيا يجب أن يتبع بعض الخطوات أهمها :
* أن يقوم المتعلم بتحديد ما يريد أن يتعلم بصورة دقيقة بعيدا عن العشوائية فإذا تناولنا مجال اللغة فإن على المتعلم أن يحدد ماذا يريد أن يتعلم، هل يريد أن يتعلم المحادثة…؟ هل يريد أن يتعلم القواعد….؟ هل يريد تعلما شاملا للغة وذلك منعا لتشتيت المتعلم وكذلك مساعدة له في تحديد المصادر التي سوف يرجع لها.
* أن يبدأ المتعلم في ما يمكن أن تتم تسميته "التعلم على البارد" وهو ما يعني قراءة العديد من الموضوعان في المجال الذي يريد أن يبدأ فيه دون أن يكون ذلك من ضمن عملية "التعلم الساخن" أو المقصود بها التعلم الحقيقي والفعلي وذلك من أجل أن يضع المتعلم نفسه في الإطار الأساسي للموضوع الذي يريد أن يتعلمه، أي أن الغرض الرئيسي من هذه الخطوة هو تكوين خلفية عامة عن موضوع التعلم دون أن يكون تعلما ذاتيا مقصودا ومبرمجا.
* أن يلجأ المتعلم في البداية إلى تحديد مستوى معرفته في الموضوع الذي يريد أن يتعلمه ويمكن في هذا السياق السلوك على ناحيتين:
أ- أن يلجأ إلى أحد المتخصصين من أجل تحديد المستوى وكذلك تقديم الإرشادات فيما يتعلق بالتقويم الذاتي. ب- أن يقوم هو نفسه بإجراء تحديد المستوى وكذلك تصميم أساليب التقويم المختلفة التي يراها هو مناسبة وذلك يتوقف على درجة إدراك المتعلم لطبيعة المادة التي يتم تعلمها ويصلح هذا الأسلوب في حالات الراشدين لا الأطفال.
* اختيار الوسائل التي يمكن من خلالها التعلم وذلك يتطلب أن تكون الخطوات السابقة قد تم تنفيذها بدقة فإذا لم يدرك المتعلم ماذا يريد تعلمه وإذا لم يعرف مستواه فإنه لن يكون قادرا على اختيار الوسيلة المناسبة من أجل أن ينال المعرفة التي يريدها وبالتالي فإن تلك الخطوة تعتمد بالدرجة الأولى على الخطوات التي تسبقها.
* تحديد جدول زمني للمتعلم يتم فيه تقسيم المجهود التعلمي على عدد معين من الساعات أو غيرها من الأساليب التي يراها المتعلم مناسبة مع ضرورة ألا يفرط المتعلم في تقدير قدراته الذاتية أي لا يقوم بتحديد كم كبير على وقت قليل أو العكس لما قد يسببه السلوك الأول من إحباط وما يؤدي إليه السلوك الثاني من هدر غير مبرر للوقت، وهنا يجب على المتعلم أن يترك لنفسه فترة معينة في بداية عملية التعلم يقيس فيها قدراته على الاستيعاب ومدى تأثير العوامل الخارجية من مشاغل اجتماعية وغيرها على عملية التعلم حتى يصل إلى المعادلة المناسبة من مساحة زمنية وحجم العمل المطلوب إنجازه. * إجراء نوع من التغذية المرتدة أثناء عملية التعلم من حيث تعديل الوقت إذا كان غير ملائم أو اللجوء إلى وسائل تعليمية مختلفة إذا كانت المستخدمة في البداية غير كافية وغيرها من طرق تحسين الأداء في أثناء العملية التعلمية وهو الأمر الذي يتطلب تقويما مستمرا من جانب المتعلم لقدراته ودرجة تطورها ما يعني أن المتعلم هو مقياس نفسه في تلك العملية التعلمية.
* إجراء التقويم النهائي عند إتمام العمل المفترض إنجازه ويمكن هنا اللجوء إلى التقويم الخارجي من أجل التعرف على مستوى الأداء أو إجراء التقويم الذاتي. * بصفة عامة تتطلب عملية التعلم الذاتي قدرة وقوة إرادة من جانب المتعلم وعدم ترك النفس تستجيب لأية عوامل محبطة من بينها التعثر لفترة طويلة وعدم القدرة على متابعة عملية التعلم وهو ما يحدث وبخاصة في منتصف العملية وكذلك عدم السماح للإحباط جراء التعثر في التحصيل حيث أن الحل في يد المتعلم بتغيير الطريقة وكذلك عدم الاستماع إلى حديث الآخرين الذي قد يبدو محبطا. وخلاصة القول ان التعليم الذاتي يشكل بالنظر إلى أهميته غاية المناهج التربوية وأساس التربية على الاختيار. لكن السؤال المطروح يتمثل في ما هو المسار العملي الواقعي الذي يمكن من إحقاق هذه الغاية بالشكل الذي ينمي الذات ويسهم في تكوين الشخصية المواطنة الواعية بالمسؤولية وبالحق والواجب والقادر على الإسهام في بناء المحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي بفعالية ايجابية وعلى المشاركة في ما يهم الشأن المحلي والوطني بدءا من القضايا التي تهم الوسط المدرسي الى قضايا تهم الوسط العائلي إلى قضايا تهم المجتمع بأسره.